الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب: تحـريـر الـمـرأة هو أمّ الـمعـارك

نشر في  16 أوت 2017  (11:28)

دأبت تونس على الاحتفال بعيد المرأة وذلك رغم تعاقب التهديدات وخطورتها، أولها شيطنة المرأة من قبل بعض الظلاميين الديناصوريين الذين يعتبرون أنّ جسد المرأة يثير الشهوة والغريزة والفتنة فإذا بهم يجبرون الفتيات على وضع «حجاب» على رؤوسهنّ وكأنّ شعر فتاة الخمس سنوات مثير للجنس.
وأمّا الرياض الدّينية فإنّها تحطّم شخصية الفتيات بإرغامهنّ على ارتداء الحجاب وعدم الاختلاط بالذكور رغم أنه لا يوجد أي تمييز بين النّساء والرّجال في المجتمع التونسي..
منذ السّنوات الأولى اذن يصبح جسد الطفلة جسم شيطان يمكن ان يغري الأطفال والكهول وبذلك يؤكّد من يريد فرض هذا النمط من الحياة والسّلوك أنّه مريض نفسيّا ويعاني اضطرابا بسيكولوجيّا وكبتا جنسيّا وكلّها أمراض كفيلة بأن تضمن إقامة بمستشفى الأمراض العقلية بمنوبة! ثم انّ هناك أمرا في منتهى الخطورة يجعل من هذا الأبرتايد APARTHEID توطئة لمجتمع ذكوري يحكمه الرّجال وتكون فيه النساء مواطنات من درجة ثانية مهامّهن الإنجاب وتوفير اللذة والطبخ وتنشئة الأبناء!!
ومن الذكور من يسجن المرأة في النقاب «البوركة» ويستغلها جنسيا وربما يقتلها وهذا يحدث في بعض البلدان الاسلامية، علما انّ عددا هامّا من الدعاة يجعلون من الجنة فضاء للاستمتاع بالحور ويعدون بلذة تدوم خمس سنوات في كل علاقة جنسية ليصل جنون البعض الى الادعاء انّ بكارة المرأة في الجنة تتجدّد بعد كل جماع! كل هذا دون ان ننسى انّ جهاد النّكاح صار ممارسة طبيعية في صفوف الارهابيين وما هو في حقيقة الأمر سوى بغاء مقنّع!

انّ المنظرين للفصل بين الفتيان والفتيات والمتبنين لنظرية شيطنة جسد النساء متمسّكون بجعل الجنس القضية المحورية للمجتمعات العربيّة.. ويكفي ان نتذكّر نساء تونس في ثلاثينات القرن الماضي ورفضهنّ للحجاب والخمار لنتأكّد انّ هناك مؤامرة كبرى تحاك ضدّ المرأة التونسية، وأمّا العرب فغارقون في فوضى حضارية بثتها الوهابيّة بمعيّة كل المتشدّدين الارهابيين!
وفي هذا السياق لابدّ من استحضار أسماء رائدات ساهمن من مواقعنّ في نحت المجتمع التونسي على غرار عليسة وأروى القيروانية وعزيزة عثمانة وبشيرة بن مراد التي أسست أول اتحاد تونسي للمرأة وذلك سنة 1936 وسنّها لا تتجاوز 22 سنة وتوحيدة بن الشيخ، كما ان المئات من النساء ضحّين بأرواحهنّ من اجل الاستقلال ومن أجل حقوق المرأة لكن التاريخ الرّسمي تناسى نضالاتهنّ...
وان نسينا فلن ننسى دور الزّعيم بورقيبة المحوري في تقنين حقوق المرأة في ظروف تاريخية وعربية صعبة حيث أحدث ثورة في المجتمع التونسي بإصدار مجلة الأحوال الشخصيّة.
لنمرّ الآن الى مبادرة رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي الرّامية الى تقنين المساواة في الارث بين الرّجل والمرأة والسماح لهذه الأخيرة بالتزوج بغير المسلم.. في ما يخصّ الميراث لن أذيع سرّا اذا قلت انّ هناك تناقضا واضحا مع النص القرآني الذي يمنح قسطين للرّجل وقسطا واحدا للمرأة، علما أنّ التطوّر الاجتماعي هو الذي فرض المساواة بين المرأة والرّجل في أغلب الميادين! فكيف يمكن التوفيق بين الدين والتغييرات الاجتماعيّة الهامّة، مع الإشارة الى انّ هذه المساواة مقبولة من الأطر والنّخب ومرفوضة عامّة من الطبقات الكادحة أو من جزء من المجتمع الذين يعتبر أنّه لا يحقّ مخالفة النصّ القرآني..
لقد أراد رئيس الجمهورية ان يسير على خطى بورقيبة بإصداره مجلة الأحوال الشخصيّة والتي كان يعلم حقّ العلم انّ رجال الدين والمحافظين عموما سيرفضونها وان كانت طائفة من رجال الدّين المستنيرين ساندوه وباركوا انجازه التاريخي.. ورغم اختلاف المواقف، نرى أن الموضوع يستحقّ نقاشا معمّقا في نطاق الاحترام المتبادل وعدم تكفير المدافعين عن السبسي.. وللتذكير فانّ كمال أتاتورك فرض المساواة في الارث بين الرجل والمرأة ولم تمسّ من هذا القرار أيّ من الحكومات المتعاقبة في تركيا بمن في ذلك الحكومات الاسلاميّة.

في الأثناء، هناك سؤال لابدّ من طرحه: لماذا من شجع على جهاد النكاح (الذي لا أثر له في القرآن الكريم) وحرّض على قتل المسلمين (لا أثر لهذا أيضا في الكتاب الكريم) ينتقد بشدّة هذه المبادرة الرئاسية المطروحة للنّقاش؟ اني احترم معارضة المشايخ والأفراد الذين يعبّرون عن مواقف هم مقتنعون بها ولكنّي أرفض معارضة من خطّط ونفّذ سياسة اجرامية دمرت العالم العربي وجعلت من بعض البشر قربانا قدمه الجهلة والمجرمون لآلهتهم..
انّي أحترم كلّ تونسي يعترض على فكرة المساواة في الارث بين الرّجل والمرأة لكنّي لا أحترم وأرفض حتى مبدأ مناقشة من يدعي أنّه يدافع عن القرآن، وهو أكبر من يساند العنف والتشدّد والارهاب.
على صعيد آخر وانطلاقا من انّ الدستور يحمي حرية المعتقد أذن رئيس الجمهورية باعداد مشروع قانون يسمح للتونسية بأن تتزوّج بغير المسلم رغم انّ الرأي العام له تحفظات وتقاليد واحترازات.. ومهما يكن من أمر، انّ تطوّر المجتمع سيفرض تغييرات هامّة في قوانين البلاد وعلى كل من له علاقة بمكاسب المرأة، وممّا لا يرقى اليه أي شكّ، هو انّ المرأة سيكون لها دور محوري على جميع المستويات وفي كل الميادين سواء في السّنوات أو ربّما العقود المقبلة..
إنّ فكرة المساواة ستفرض نفسها بصفة طبيعية ولا خوف من نقاش جدي في هذا الموضوع رغم ضغوطات التكفيريين والرجعيّين.